الاثنين، أغسطس 25، 2008

رد على شبهة ... الأسماء والصفات

بسم الله الرحمن الرحيم
يقول ابن القيم , التوحيد نوعان :
1 - توحيد في المعرفة والإثبات : وهو توحيد الربوبية والأسماء والصفات بمعنى أن يعتقد المؤمن إثبات ذات الله وصفاته وأفعاله فهو سبحانه الأول والآخر والظاهر والباطن إلى آخر ما يجب أن يتصف به من أسماء .
2 - توحيد في العبادة والقصد : وهو توحيد الألوهية والعبادة أي لا يعبد إلا الله ولا يقصد إلا الله ولا يعمل إلا ابتغاء وجهه .
ونحن هنا بصدد أسماء وصفات المولى عز وجل .
فجميع أسماء الله تعالى تعتبر صفات لله تعالى إلا أسماً واحداً وهو الله فإنه علم على الذات وليس صفة وأجمع الفقهاء على أن أسماء الله توفيقية من عند الله سبحانه وتعالى ولقد تعلم الصحابة صفات الله من كتاب ربهم كما وصف الله نفسه وكما وصفه الرسول , دون تنطع ولا جدال وما تكلم واحد منهم حول الأسماء والصفات بل فهموها كما نزلت وأنه لم يرد قط من حديث صحيح أو سقيم عن أحد من الصحابة على اختلاف طبقاتهم وكثرة عددهم أنه سأل رسول الله عن معنى شيء مما وصف به الله سبحانه نفسه سواء في القرآن أو السنة المطهرة إلى أن كثر الكلام وظهرت الفرق فمنهم من شط وانحرف عن أهل السنة والجماعة كالجهمية والمعطلة والمعتزلة والمرجئة وهؤلاء أراهم باطلة .
وبقى أمامنا رأيان هما محل أنظار العلماء في العقائد , السلف والخلف فالخلف قالوا : نؤمن بكل ما جاء في القرآن والسنة مما يتعلق بالصفات ( اليد , العين , الاستواء , وغيرها ) ونؤمن بأن هذه الصفات ليس المقصود منها معانيها في حق المخلوقين فالله لا يشبهه شيء ونقطع بأن هذه الصفات ليست على ظاهرها المراد في حق المخلوقات وليس هناك ظاهر إل المعروف في حق المخلوق لذلك نحملها على ما تجيزه اللغة ولا يصطدم مع الشرع لنبتعد عن شبهة المماثلة التي تبادر إلى الذهن لذلك فهم يؤولون هذه الصفات على سبيل المثال تأويل الوجه بالذات واليد بالقدرة وسار على ذلك علماء منهم ابن الجوزي الحنبلي , والفخر الرازي وكثير غيرهم .

أما منهج السلف فيقول شيخ الإسلام : (ومذهب السلف هو أن يوصف الله بما وصف نفسه ووصفه به رسوله ولا يتجاوز القرآن والحديث وهو بين التعطيل والتمثيل فلا يمثلون صفات الله بصفات خلقه كما لا يمثلون ذاته بذوات خله ولا ينفون عنه ما وصف به نفسه أو وصفه به رسول الله صلى الله عليه وسلم .
تعريف الإمام البنا لمذهب السلف : (أما السلف فقالوا : نؤمن بهذه الآيات والأحاديث كما وردت ونترك بيان المقصود منها لله تبارك وتعالى فهم يثبتون اليد والعين والاستواء والضحك والتعجب .. وكل ذلك بمعان لا ندركها ونترك لله تبارك وتعالى الإحاطة بعلمها لا سيما وقد نهينا عن ذلك في قول النبي , تفكروا في خلق الله ولا تتفكروا في الله فإنكم لن تقدروه قدره ) رواه أبو نعيم في الحلية ورواه الأصفهاني فيي الترغيب والترهيب بإسناد أصح منه مع قطعهم رضوان الله عليهم بانتفاء المشابهة بين الله وبين خلقه .

حقيقة الخلاف بين السلف والخلف :

لتحرير محل الخلاف لابد من النظر إلى المسألة بدقة :
فالسلف قالوا : (نؤمن بما ثبت من هذه الصفات (اليد و العين ) لأن القرآن والسنة ذكروا ذلك ونحن نفهم من هذه الصفات معنى ذهنياً وهذا المعنى عند إضافته للخالق سبحانه وتعالى يختلف تماماً عن المعنى المضاف إلى المخلوق ولا يشبهه فهو في حق الله كامل على ما يليق بجلاله وفي حق المخلوق ناقص . لا يعرف حقيقة هذه المعاني وكنهها إلا الله .
وأما الخلف فقالوا : نؤمن بكل ما جاء في الق{آن والسنة مما يتعلق بالصفات نؤمن بأن هذه الصفات ليس المقصود منها معانيها في حق المخلوقين فالله لا يشبهه شيء فقطع بأن معاني هذه الصفات (اليد , العين ) ليست على ظاهرها المراد في حق المخلوقات وليس هناك ظاهر إلا المعروف في حق المخلوق لذلك نحملها على ما تجيزه اللغة ولا يصطدم مع الشرع لنبتعد عن شبهة المماثلة التي تبادر إلى الذهن .

ومن هنا : فإن تحرير محل النزاع يقودنا إلى أنه :
أولاً : أتفق الفريقان على تنزيه الله تبارك وتعالى عن المشابهة لخلقه .
ثانياً : كل منهم يقطع بأن المراد بألفاظ هذه النصوص في حق الله غير ظواهرها في حق المخلوقات واتفاقهما على نفي التشبيه .
ثالثاً : اتفاق السلف والخلف في التأويل إجمالاً فالسلف قالوا مثلاً استوى على العرش : استواء يليق بجلاله وأحديته . أيضا له يد كما قال تليق بأهوليته وجلاله فهذا تأويل إجمالي غير أن الخلف زادوا تحديداً لمعنى المراد بأن يفسر الاستواء بالاستيلاء والتسلط فتفسر اليد بالقدرة وبالكرم في قوله (بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء ) .
وهكذا فإن التأويل إجمالي عند السلف والتأويل تفصيلي في التفسير عند الخلف وعلى ذلك فإن المهم ألا تنسب إلى الله جارحة من خلال فهمك بكلمة اليد التي نسبها إلى ذاته وأن لا تعطل الدلالة اللغوية الثابتة بكلام الله عز وجل ومع ذلك فإننا نجد من السلف من لجأ إلى التأويل التفصيلي كتأويل الإمام أحمد ( جاء) في قوله تعالى ( وجاء ربك والملك صفاً صفاً ) أو جاء بمعنى جاء أمر ربك ومن ذلك تأويل الإمام البخاري لقول الرسول , في الحديث : لقد ضحك الله الليلة من فعلكما . في قصة الأنصاري الذي أكرم مثوى ضيف رسول الله , أول البخاري الضحكة بالرحمة .
وعلى هذا فإن بعض السلف قد لجأ إلى التأويل في بعض الأحيان .
والقول الفاصل في ذلك : ما قاله الإمام الشاطبي في الاعتصام ( ومن أشد أمور الاختلاف مسألة إثبات الصفات حيث نفاها من نفاها فإذا نظرنا إلى الفريقين وجدنا كل واحد منهما حائماً حول حمى التنزيه , ونفى النقاش وسمات الحدوث وهو مطلوب الأدلة وغنما وقع اختلافهم في الطريق وذلك لا يخل بالقصد في الطرفين معاً فالحاصل فيها إلا أن تقوم فيه شروط التكفير ) .
ويقول الإمام ابن تيمية في جـ 6ص58 ( فأما سائر وجوه الاختلاف كاختلاف التنوع والاختلاف الاعتيادي واللفظي فأمره قريب وهو كثير وغالب على الخلاف في المسائل الخبرية , والمسائل الخبرية هي المسائل العقيدية الدقيقة , أغلبها خلاف اعتباري ولفظي .
أرأيت أخي القارئ أنه اختلاف نظري لا اختلاف حقيقة وهو الذي يقع في الأمور القطعية المجمع عليها , مع ملاحظة أن هذا الخلاف بين السلف والطائفة التي تأويلها في دائرة اللغة والشرع ولا يصطدم مع العقل عكس الفرق الأخرى كزنادقة المؤولة والملاحدة الذين كادوا بالإسلام والمسلمين .
ما هو موقف الأشاعرة في الأسماء والصفات ؟
فزعيمهم أبو الحسن الأشعري وقد أثبت الصفات وقرر أنها تليق بذات الله ولا تشبه صفات المخلوق فسمع الله كسمع الحوادث .. وقال الأشعري في قول الله عز وجل ( يد الله فوق أيديهم ) يده يد تليق بذاته الكريمة وليست يد جارحة كأيدينا وهذا ما ذكره في كتاب الآيات مع ملاحظة أن أبا الحسن الأشعري كان في أول حياته يؤول اليد بالقدرة إلا أنه رجع إلى منهج أهل السنة في أخر زمانه وهذا ما أثبته الشيخ احمد بن حجر في كتاب الآيات وكتاب مقالات الإسلاميين وأثبتهما الإمام ابن عساكر في كتابه (تبين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام الأشعري) وكذا ذكر السبكي في الطبقات أن عقيدة أبي الحسن الأشعري عقيدة أهل السنة ويعد الإمام أبو الحسن الأشعري هو إمام أهل السنة والجماعة في عصره .
خلاصة قول الإخوان : ترجيح مذهب السلف :
يقول الإمام البنا : (ونرجح مذهب السلف ونعتقد أن رأي السلف من السكوت وتفويض علم هذه المعاني إلى الله تبارك وتعالى أسلم وأولى بالاتباع حسماً لمادة التأويل والتعطيل فإن كنت ممن أسعده الله بطمأنينة الإيمان وأثلج صدره ببرد اليقين فلا تعدل به بديلاً . وهكذا الإمام البنا ولكن البعض يأخذ من كلام البنا قوله : ( ونفوض علم هذه المعاني إلى الله ) على أنه من المفوضة .
نقول في ذلك : فأعلم أخي المسلم أن التفويض من الألفاظ المجملة التي تضم تحتها معان مختلفة فهو ينقسم إلى نوعين : نوع محمود يجب أن نقول به ونعتقده ونوع مذموم يجب أن نبتعد عنه .
أما النوع المذموم فهو أن يظن امرؤ أن ألفاظ هذه الآيات وأحاديثها ليس لها معان ولا يفهم منها شيء بمثابة طلاسم .
أما النوع المحمود الواجب اعتقاده فهو تفويض حقيقة معنى إضافتها للمولى سبحانه أي تفويض الكيف . والنظر في عبارة الإمام يقتضي فهم العبارة في ضوء سائر أقواله دون أخذها متجزأة فالعبارة حادث نكرة وليست معرفة فهي لا تعنى المذهبب المذكور ولكنها استعملت بمعناها اللغوي بمعنى عدم الخوض في كيفية الاستواء وغيره من الصفات وترك ذلك إلى الله تعالى .
فإذا أضيف إلى ذلك أن الرجل أكد ترجيحه لمذهب السلف وارتضاه له واستشهاده بأقوالهم وأن هذه العبارة وردت فيي كلام غيره من الأعلام فإنه يتعين فهم مراده على هذا الوجه .

وإلى بعضاً من نصوصه في هذه المسألة لنصل إلى فهم النص المذكور :

1 - قال : أما السلف فقالوا نؤمن بهذه الآيات والأحاديث كما وردت ونترك بيان المقصود منها لله تعالى فهم يثبتون اليد والاستواء .. ونترك لله تبارك وتعالى الإحاطة بعلمها مع اعتقادهم بتنزيه الله سبحانه وتعالى عن المشابهة لخلقه .

2 - قد علمت أن مذهب السلف في الآيات والأحاديث التي تتعلق بصفات الله تبارك وتعالى يمرروها على ما جاءت عليه ويسكتوا عن تفسيرها وتأويلها وأن مذهب الخلف أن يؤولها بما يتفق مع تنزيه الله تبارك وتعالى عن مشابهة خلقه .

3 - عند احتجاجه بأقوال السلف ذاكراً منهم الكسائي في أصول الشريعة ونقل عن حجر بن الحسن ونقل عن الخلال في كتاب السنة وعن أحمد بن حنبل ومالك بن أنس وأبو عمرو الطلمنكي وأبو عبد الله بن بطه وغيرهم من الأئمة الأعلام الذين ساروا على نهج السلف الصالح . وقد أشار إلى ذلك ابن تيمية إذ يقول رحمه الله ( وكلام السلف في هذا الباب موجود في كتب كثيرة مثل كتب السنن للكسائي والإبانة لابن بطه والأصول لابن عمرو والطلمنكي والسنة للخلال ) .

4 - علق على بعض آيات الأسماء والصفات وذكر معانيها مثل قدم الله تعالى وبقائه ومثل علمه سبحانه وتعالى .

5 - أنه صرح بمراد الكيفية تصريحاً بيناً في قوله ( وإنما علم الله تبارك وتعالى علم لا يتناهى كماله ولا يعد علم المخلوقين شيئاً إلى جانبه وكذلك السمع فهذه كلها من مدلولات الألفاظ فهي تختلف عن مدلولاتها في حق الخلق من حيث الكمال والكيفية اختلافاً كلياً لأنه تعالى لا يشبه أحداً من خلقه ولست مطالباً بمعرفة كيفيتها وإنما حسبك أن تعلم آثارها في الكون ولوازمها في حقك ) .

6 - ارتضاؤه منهج السلف وتعويله عليه ( فإن كنت مما أسعده الله بطمأنينة الإيمان وأثلج صدره ببرد اليقين فلا تعدل به بديلاً , وجعله أسلم وأولى بالإتباع حسماً لمادة التأويل والتعطيل .

ومن مجموعة هذه النصوص يتضح أن مراد الإمام البنا هو تفويض الكيفية لا المعنى ..
على أن العبارة التي اشتد فيها النكير على البنا وفسرنا مراده فيها قد جاءت في كلام الأئمة ممن هم على منهج السلف .

* فقد جاء عن محمد الشيباني ( اتفق الفقهاء كلهم من المشرق والمغرب على الإيمان بالقرآن والأحاديث التي جاء بها الفقهاء عن رسول الله في صفة الله عز وجل من غير تفسير لا وصف ولا تشبيه فمن فسر اليوم شيئاً من ذلك فقد خرج عما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وفارق الجماعة ) .

* وعن أحمد بن حنبل ( نؤمن بها ونصدق بها بلا كيف ولا معنى ولا نرد منها شيئاً ) .

* ما جاء عن ابن قدامة حين عرض لمسألة الصفات وتلقيها بالتسليم والقبول فأشار إلى ترك التعرض إلى معناها ورد علمها إلى قائلها ( انظر للمغني بشرح ابن عثيمين ص 20) .

فهذه العبارة ونحوها حملت على معنى الكيفية من خلال الجمع بين أقوالهم تحقيقاً للانصاف وإحساناً للظن بهم , وبنفس المنهج نتعامل مع أقوال البنا لما نعرفه عنه من شدة الحرص على إتباع السنة ولزومها وسلوك منهج السلف وأن هذا الرجل ذو همة وإخلاص قد أحيا الله به الأمة فهل تحيا الأمم الهامدة على أيدي رجال ذوي عقيدة مائعة زائغة .

ليست هناك تعليقات: